الفكر الإسلامي

الحوار بين الديانات .. آمال ومخاوف

 

  

 

 

بقلم :   العالم الهندي الكبير فضيلة الشيخ أسرار الحق القاسمي*

تعريب : الأخ محمد أجمل القاسمي الفيض آبادي *

 

      عقدت رابطة العالم الإسلامي بمكـة المكرمة مؤخرًا مؤتمرَ العلماء والخبراء والكُتّاب المسلمين الذي أُطلِق عليه اسم "المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار بمكة المكرمة" والذي حضره أكثر من 400 عالم ومثقّف مسلم إضافةً إلى رجال الصحافة والمسلمين . وذلك بهدف تطوير قضية الحوار مع أبناء الديانات الأخرى . أعرب المساهمون عن أفكارهم وآرائهم بين مؤيّد ومخالف لإجراء الحوار مع أبناء الديانات الأخرى، ونتج المؤتمر من حيث المجموع عن رسالة مفادها أنّه ينبغي أن يظلّ باب الحوار مع اليهود والنصارى ورجال الديانات الأخرى مفتوحًا .

       وأفادت التقاريرُ الصادرة بهذه المناسبة أنه جرى البحث أكثر من مرّة من ذي قبل في شأن إجراء الحوار مع أبناء الديانات الأخرى ، وسبق أنّ العاهل السعوديّ خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز أعلن أنّه سيبذل جميعَ المحاولات الممكنة للتقليل من التوتر القائم بين أبناء الديانات ، كما يقال : إنّ القائد المسيحي الهامّ القسيس الأكبر Mالبابا بيندكتL هو الآخر يحمل الرأى الإيجابي في هذا الصدد ، وإنّه أعطى انطباعه في المناسبات العديدة أنّ بدء الحوار بين أبناء الديانات يحمل أهميّة كبيرة في الأوضاع الراهنة. وبما أنّ كلاً من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز والبابا المسيحي الأكبر يتمتع بالشخصية العالميّة ويُعْتَبر قائدًا ذا ثقل كبير في أوساطه تُتوخّى النتائجُ الإيجابيّة على صعيد الحوار .

       كما لا يسوغ إنكار جدوى الحوار وأهميته إذا وضعنا في الاعتبار الأوضاعَ المتردّيةَ بسرعة والتداعياتِ الخطيرةَ التي يسفر عنها التوتُّر القائم المتصاعد حاليًّا والصدامُ بين المسلمين واليهود والنصارى ؛ ولكن إذا نظرنا إلى العداء المركوز في طبيعة اليهود والنصارى تجاه الإسلام منذ قديم الزمان يتبدّى أنّ منطق التفاهم من خلال الحوار سوف لايعدو حلمًا لايكاد يتحقّق.

       التاريخ يشهد أن اليهود والنصارى ظلّوا مستمرين في توجيه الاتهامات ضد الإسلام منذ فجره، ومازالوا يحاربون المسلمين في كل عصر من عصور التاريخ، ومعاداتُهم الإسلامَ المتصله لم تكن لأنهم اعتقدوا الإسلامَ باطلاً، أو لم يطّلعوا على حقيقته جيدًا؛ ولكنّ العداوةَ والبغضاءَ التي أضمروها حَمَلَتْهم على محاربة الإسلام وبذلِ جميعِ ما وَسِعَهم من الجهد والطاقة لاستئصاله؛ فقد شنّوا أكثر من مرّات سلسلة طويلة من الحروب لإنزال الهزيمة الدائمة على المسلمين؛ ولكن باؤوا بالخسران والخيبة في نهاية المطاف، وما كادوا يسيطرون على الإسلام. فالحسد والبغضاء هما السبب الوحيد الذي ظلّ مانعًا من قيام العلاقات الطيبة ولو مرّة فيما بين المسلمين واليهود والنصارى خلال هذه الفترة الطويلة التي تجاوز 14 من القرون .

       وإنّهم لو حاربوا الإسلام والمسلمين لكونهم يجهلون حقيقةَ الإسلام واعتقادهم إيّاه باطلاً، لانكشف الغبار أمامهم عن الواقع في حين من الأحيان خلال المسافة التاريخيّة الطويلة، ولَعرفوا الحقَّ، ولحملوا الأفكار الإيجابيّة تجاه الإسلام، ولم يضمروا البغضَ والكراهيّة إزاء المسلمين؛ ولكن التوتّر القائم بين أبناء الديانات إنما كان وراءه الأفكار الناشئة عن البغض والحسد – الذي أضمرتْه ولاتزال تلك الأمم – هي التي دفَعَتْها إلى الاستمرار في محاربة الإسلام ومعاداته مع العلم به وبحقيقته ؛ فالأمم التي لم تستطع إطفاء حقدها في المدة المديدة المتمدة على 14 قرنًا كيف تستيطع إخماده في الأوضاع الراهنة، وهي تتمتّع بجميع أنواع القوى، وسَدّت الطُرُق أمام العالم الإسلامي بقوتها العسكريّة الهائلة المدَعَّمة بالتكنولوجيا الحديثة، وفرضَتْ حضارتَها من خلال سيطرتها على وسائل الإعلام على الأمم الأخرى، حتى إنّ البلاد الإسلامية هي الأخرى التي استرقَتْ إليها الحَضارةُ الغربيّة خُطاها صارت تابعة لها، كما أنها – الأمم – كادت تبلتع اقتصادَ العالم العربي والإسلامي بنظامها الاقتصادي الجديد، موجِّهة إليه مزيدًا من الضربات القاسية عن طريقِ إنتاجاتها المستجدّة، إضافة إلى المبالغ العربيّة الكبيرة الفائقة العدَّ والحسابَ التي انتقلت إلى البنوك اليهودية والمسيحية، إلى جانب بلاد عربيّة فُرِضَتْ عليها السيطرةُ العسكرية اليهوديّة والصليبيّة.

       فالذي يتطلّب النظرَ هنا هو أنّ الأمم التي حافظت على حقدها وعدائها تجاه الإسلام طوال 14 قرنًا كيف يمكن أن تَمُدَّ يدَ الصداقة إلى المسلمين وهي تحظى اليوم بانتصارات أكبر وأكثر بالنسبة لجميع المحاولات التي بذلَتْها فيما مضى، وكيف يمكن أن يُوْضَع حدٌّ من خلال إجراء الحوار للمؤامرات الصليبيّة والصهيونيّة التي ظلّت ولاتزال تُنَفَّذ بشكل مُبَيَّت لتطويق الإسلام والمسلمين مع العلم بالحقيقة. إن الحوار إنما يستطيع أن يُزيل التفاهم الخاطئ الناشئ عن الجهل بالحقيقة والمعلومات الناقصة؛ فالقادة المسلمون في أمسّ حاجة إلى أن يمارسوا الحِيطَةَ والحزمَ الكاملَ وأن يتمتّعوا بالحذر واليقظة التامة قبل اتخاد أي خطوة .

       عندما نعِّمق النظر في العداء الذي مارسه اليهود والنصارى عبر القرون يتبدّى لنا أنّهم استهدفوا الإسلامَ في القرن الماضي بتخطيط أشمل وعلى مستوى أوسع بالنسبة لأي وقت مضى. والمؤمرات التي قام الغربُ بحياكتها في مستهلّ القرن العشرين ومنتصفه لتطويق الأمة الإسلاميّة كانت عميقةً للغاية؛ حيث ما كان يمكن الاطّلاعُ عليها بسهولة. ولم يكن من المصادفة أنّه نشبت الحربان العالميّتان في القرن الماضي؛ بل إنهما أسفرتا عن النتائج الخطيرة بالنسبة للعالم الإسلامي. بدأت الحرب العالميّةُ الأولى عام1914م، كما أنّ الحرب العالميّة الثانية بدأت عام 1939م، وكلتا الحربين ألحقتا الخسارةَ النفسيّة والماليّة الكبيرة الهائلة بمختلف دُوَل العالم؛ ولكن الخسائرَ التي كبّدتاها الدُوَلَ العربيّةَ والإسلاميّةَ كانت أكثر فداحةً بالنسبة إلى أي دولة أخرى، فمثلاً الحرب العالميّة الأولى نتجت عن تشتّت شمل دولة تركيا ، وتقلّص ظلّ حكمها منحصرًا في مناطق محدودة بعد ما كانت تحكم أوسعَ مساحة أرضيّة ، وأصيبَ النظامُ القائمُ فيها المبنيّ على الخلافة بتفكّك واضطراب كبير، وحتى عام 1924م أعلن مصطفى كمال أتاترك – أبو الأتراك – بإسقاط الخلافة العثمانية ، وصاحَبَ الإعلانَ تنفيذُ القوانين الشديدة لمحوالحضارة والثقافة الإسلاميّة، وما لفظت الخلافة أنفاسَها الأخيرة حتى حُرِم العالم الإسلاميّ النظامَ الحكوميّ الشامل غيرَ المستهان به.

       كما أن معظمَ نتائج الحرب العالميّة الثانية التي كانت تتّسم بخطورة أكثر وأعمق هي الأخرى عادت في حساب العالم الإسلاميّ، وإن كان هناك دول أخرى عانت الخسارة النفسيّة والماليّة الجسيمة، حتى إنّ اليابان واجهتَ تفجيرات القنابل النووية غير العاديّة التي أُمطِرت عليها من قبل أمريكا وتحمّلت آلامَ دمار شامل لعديد مُدُنها؛ ولكن اليابان وألمانيا نجحتا في التفادي من الأزمات والخسائر خلال عقود من الزمان، وبرزتا من جديد مُتَمتِّعَتين بقوة أكثر من ذي قبل على صعيد الاقتصاد والدفاع والسياسة والثقافة؛ ولكن تأسيسَ الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالميّة الأخيرة عَقّد على المسلمين أمرَهم، وأوجَدَ لهم أوضاعًا ما كادوا يخرجون منها وحتى بعد مرور ستّين عامًا. هذه المنظمّة العالميّة الوحيدة وإن كانت تهدف من وءا تأسيسها – في الظاهر – إلى صيانة العالم كافّة من خطر الحرب، ومنع الدُوَل عن ممارسة الظلم والعدوان على الأخرى إلى جانب إعادة العدل إلى نصابه على المستوى الدوليّ؛ ولكنّها تخفى أهدافًا أخرى، أو سرعان ما وقعَتْ تحت هيمنة بعض الدُول الغربيّة التي قامت باستغلالها التامّ واستخدامها الكثير المتّصل لمصالحها إلى جانب استخدامها كثيرًا لدفع العالم الإسلاميّ للتورّط في الحروب الباردة ، والتوغّل فيه لإيجاد الأخطار الجديدة له. وإذ أُلقِيت النظرةُ الغائرة على العناصر التي تبارت في تأسيس الأمم المتحدة، والقرارات التي تمت الموافقةُ عليها تحت رعايتها يتبَدّى أنّ هذه المنظمة العالميّة إنّما تم قيامُها لتفكيك الإسلام والعودة به من ضعف إلى أضعف حال .

       رُفِعَت قضيةُ فلسطين إلى الأمم المتحدة عام 1948م فبادرت في غاية من السرعة دونما إجراء النظر الطويل والخوض في مختلف جوانب القضيّة – ولعل ذلك كان حسب التخطيط المسبَّق – إلى إصدار قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عربيّة ويهوديّة في شهر نوفمبر من العام نفسه، الذي أسفر فيما بعدُ عن تورّط العرب والفلسطينيين في الحروب الباردة التي لم يكد العالم ينجو منها بعد مضي أكثر من نصف قرن.

       فالّذي يتطلّب النظرَ هنا أنّ الأمم التي تستنكر المسلمين استنكارًا غير عادي ، والتي لاتضيع أيّ فرصة تسنح لهم لإساءة سُمعتهم، وتُمارس القوةَ عليهم بظلم وعدوان ، والتي تَبُثُّ الخوفَ والذعر فيهم باسم الإرهاب، وتُطلق الصواريخَ على أولادهم الأبرياء، والتي تنسبح المؤامرات البشعة الخبيثة في بلادهم وتستهين بدينهم، والتي تصنع الأفلامَ الكاذبة ضد القرآن الكريم، وتصنع الصورَ الكاريكاتوريّة الساخرة لنبي الإسلام، عليه الصلاة والسلام، وتنشرها عبر الصحف والمجلاّت، والتي تبث الكراهيّةَ نحو الإسلام في الشعوب عبر الإنترنت وما إلى ذلك من العمليات القبيحة ؛ كيف يمكن أن تكُفّ هي عن عدائها نحو الإسلام والمسلمين . ولعلّ القارئ يتذكّر أن الحاخامات والقادة اليهود جعلوا قتلَ الفلسطينيين من الضروي قبل أسابيع قليلة، وقد ظهر مُؤَخَّرًا أنّ إسرائيل تريد الهجومَ على إيران . فكأنّ اليهودَ يبدون متعطِّشين لدماء المسلمين في جانب ، ويعربون عن اهتماماتهم الزائدة تجاه الحوار بين أبناء الديانات في جانب آخر؛ فهذا يفرض أن نكون متيقّظين حذرين لدى الحوار مع اليهود والنصارى ؛ فإن الثقة التامّة بهم عسى أن تعود بالخسران .

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رمضان – شوال  1429هـ = سبتمبر – أكتوبر  2008م ، العـدد : 10-9 ، السنـة : 32

 



* مؤسس ورئيس الهيئة التعليمية والملّية لعموم الهند دهلي الجديدة

* طالب بقسم الإفتاء بالجامعة .